wrapper

الإثنين 06 ماي 2024

مختصرات :

بقلم:سامية البحري | تونس

 

تصدير : ليتني ما ولدت عربيا ( من أقصوصة ذاكرة عرب / صابر الجنزوري )

 

 مدخل

تعدّ مسألة القصّ من المسائل الهامة التي شغلت النقاد تنظيرا وممارسة على امتداد أحقاب، فهناك من أعاد فضل ولادة القصة العربية إلى تأثرها بالقصة الغربية، وهناك من ينفي ذلك فسلك مسلكا آخر يؤكد صلة القصة العربية الحديثة بالتراث القصصي العربي .

وقد ذهب محمود تيمور وهو رائد من رواد القصة العربية في كتابه : دراسات في القصّة والمسرح إلى اعتبار الأمة العربية ( قصصية بالطبع ) ذات تراث قصصي مكّنها من سرعة استيعاب الأشكال الغربية  وهذا المزج مكنّها من الابداع في هذا المجال ، وإنتاج قصة عربية جديدة الطابع وعربية القضايا والطرح ، وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن دور الظروف الفكريّة والاجتماعية،  والاقتصادية، والسياسية، في نشأة هذا الجنس الأدبي...

وهو جنس استطاع أن يستوعب هموم المجتمعات العربية ، وإعادة بلورتها وطرحها بأسلوب سردي فيه  من الإتقان الكثير والحبكة والجمالية ما يجعله يتفوق ..

وقد كان لمصر الحظّ الوفير في بروز شكل القصة بروزا كبيرا مع رواد ساهموا في تطويرها ووضع القواعد الأساسية لها كمحمود تيمور ويوسف ادريس وغيرهما ..

وهانحن نستقبل مولودا جديدا يخرج علينا من رحم الواقع المصري،  للمبدع صابر الجنزوري ،وقد وسمه صاحبه ب " ساحة البراءة"  وهو عنوان مثير  للجدل كما أنه عنوان احدى الأقاصيص التي وردت في المجموعة

وهي الأقصوصة الأخيرة ترتيبيا...

المجموعة القصصية  وكيفية الانتظام :

تمتد المجموعة على  إحدى وعشرين أقصوصة، وقد ارتأينا هذه التسمية ( أقصوصة ) عوض ( قصة) لأن " الأقصوصة هي قصة قصيرة يعالج فيها الكاتب جانبا من حياة، لا كل جوانب هذه الحياة، فهو يقتصر على سرد حادثة أو بضع حوادث يتألف منها موضوع مستقل بشخصياته

ومقوماته"  وأما " القصة فهي تتوسط بين الاقصوصة والرواية، وفيها يعالج الكاتب جوانب أرحب ممّا يعالج في الأولى، فلا بأس هنا بأن يطول الزمن، وتمتد الحوادث، ويتوالى تطوّرها في شيء من التشابك" ( محمود تيمور نفس المرجع)

وهي على التوالي :

النورج ـ سلمى ـ الفتى الوسيم ـ يوم يتيم ـ المُصلحة الاجتماعية ـ طائرة ورق ـ القادم ـ خريطة الجنّة ـ مشهد فضائي ـ  صفعة - ذاكرة عرب ـ  سبي ـ كاتب بالعافية ـ السّت بهيرة ـ لمن الكلمات ـ العمّ جورج الزّفة ـ حكومة رفقة ـ شجرة التوت ـ  ليلى ـ ساحة البراءة .

** في رحم المجموعة :

العدّ التنازلي

كانت هذه المجموعة وليدة عصرها فقد كتب أكثرها أو معظمها المبدع صابر الجنزوري في ذروة الأحداث الصعبة التي حدثت في مصر بين السنوات 2011 و2014 وهي فترة لا تخرج عن ما كان يحدث في الوطن العربي عموما من تحركات وتغييرات كبيرة نتيجة ما سمّي بالربيع العربي الذي لم يكن إلا شتاء حزينا امتدّ على الخارطة العربية  فجثم على الصدور وفسح المجال لبروز تيارات هدّامة تتاجر بالإنسان وتعبث بالإنسانية.

فانتشر الموت والخراب والدّمار وانتفى الإنسان كقيمة وأصبح يباع ويشترى في سوق النخاسة ..

أو يشرّد من أرض إلى أرض، بلا مأوى ولا رغيف، أو يسحل في الشوارع أو يموت غرقا..

ذاك هو صناعة الدمار والخراب باسم البحث عن الحريّات والقيم المفقودة..

وتتوزع هذه المجموعة بين الاجتماعي والسياسي والفكري والسّاخر وحتى العجائبي..

وهذا التنويع قد يكشف عن طبيعة الفترة التي  كتبت فيها المجموعة وهي فترة كذلك متنوعة ومتداخلة غاب فيها الانسجام والتناغم ...واشتد فيها الصراع  فوق خارطة مزّقها الوقت بفعل الاختلافات والصّراعات بين الايديولوجيات المختلفة وانتشار الخطايا والرذائل .

حتّى أنّ الكاتب يقترح في أقصوصة

 " ساحة البراءة" حلّا للخلاص متمثّلا في محاكمة كل شخص لنفسه فينصبّ الضمير قاضيا، وتكون هناك آلة لرصد الكذب حتّى نتمكن من سبر أغوار كل ّ فرد . وقد مرّت هذه الأقصوصة بعدّة مراحل منها : مرحلة السّخرية والاستهزاء، مرحلة التصديق، مرحلة الاستعداد، مرحلة التنفيذ، النتائج.. وكانت الأسئلة متنوعة من قبيل

ألم تكذب ؟ تسرق؟ تقتل؟ ترتشي؟ ..تكره؟ تحقد؟ ألم تتاجر بدينك ؟ وتنشر الفتنة بين الناس

ويحيلنا هذا الموقف على يوم الحشر في رمزية عالية للخير والشر والجنة والنار...

فيصنّف الجميع في "ساحة الإدانة"  إشارة إلى النار كأنه إعلان بانعدام الخير وانتشار الشر في الإنسان  ثم تنحو الأقصوصة نحو العجائبية بظهور الفتاة غريبة الأطوار، وتزداد العجائبية من خلال تعالي الأصوات ..تساقط المطر...رائحة المسك...أبت الشمس الغروب...خشعت الأصوات ..أبواب ساحة البراءة السبعة المفتوحة...وهذه الإشارة إلى عدد الأبواب ( سبعة) علامة اخرى على رمزية الخطاب.. ويبقى الخلاص غامضا وهو ما يفسر غموض مصير الإنسان .

لقد ارتأينا قراءة المجموعة من لحظة الانغلاق إلى لحظة الانفتاح ..أو من الأعلى إلى الاسفل ..

باعتبار أن الأقصوصة الأخيرة تبدو كنتيجة لكل ما تقدم من أقاصيص .. كأن الأقصوصة الأخيرة  في حد ذاتها هي " ساحة البراءة" لبقية  الأقاصيص ولكل الشخصيات

الواردة فيها...تلك الشخصيات التي حملت رمزية عالية من خلال أفعالها أو تسمياتها او ممارساتها أو إماءاتها... ويبقى السؤال مطروحا لماذا جعل الكاتب كل الشخصيات تدخل إلى ساحة الإدانة ؟ هل هي رؤية تشاؤمية فرضها الواقع ؟  أم هي اقرار بانتصار الشر على الخير وتبني الإنسان مقولة الرذيلة  على حساب الفضيلة ؟ ربما هو كل ذلك، وربما هو بعضه، لأن الكاتب ينطلق من واقعه...والواقع أصبح صورة عن كل ذلك القبح  " الواقعي" الذي جسدته المجموعة ...

لحظة الانبلاج :

الأقصوصة الأولى : النورج

وهي من النوع الاجتماعي وقد كانت فاتحة القص...وبدت متأصلة في الواقع المصري خاصّة لغة، وأسلوبا فقد أحالتنا على فن الأقصوصة في البدايات  خاصة مع رواد الأقصوصة تيمور وغيره. فظهرت بعض المقاطع الوصفية والحوارية :

أ ـ في الوصف :

" أتأمل في وجهه إنه هو بقميصه الأبيض ورباط الكتان الذي يلفه حول وسطه"

بـ في الحوار :

" خلاص أصبحتم بهوات ونسيتم بلدكم"؟

يرد عليه : " ياريت أيام الخير كانت دامت "

وهذه الطريقة في توظيف العامية كانت قد اعتمدت منذ رواد الأقصوصة في البدايات

أما هذه الوظيفة الاجتماعية فقد لعبتها القصة القصيرة على امتداد أحقاب مع جلّ رواد الأقصوصة

إنه اندثار الماضي في صورة قاتمة وضبابية تجلت في خاتمة الأقصوصة

" هاهو النورج يا ابن عمي...وهذا ما تبقى من رائحة عمك حسن "

وهذه الرائحة تلخص صورة الماضي الذي انتهى وتبخّر لتغزوه العولمة في صورة مركبة وقاتلة..

تقتل القيم...وتحول  الإنسان إلى " شيء" ..بلا قيمة...بلا مبادئ...إنه زمن

 " تشيئة" الإنسان. أسلوب النمذجة ودوره في محاصرة الواقع:

تتوزع بقية الاقاصيص بين مواضيع مختلفة فكل واحدة كادت تحاصر نموذجا يمثل صورة من صور المجتمع الذي خرجت منه .. ويمكن تصنيفها وفق حقلين كبيرين : الواقعي والفكري الذي ينفتح على الديني والايديولوجي  ولنا أن نستعرض جوانب من كل حقل

الاجتماعي :

عرفت الأقصوصة منذ البدايات بمحاورتها للواقع وتصوير قضاياه، لأنها تمتلك القدرة على الولوج إلى أغواره عبر أنماطها المختلفة، فهي تصف وتسرد وتحاور كل مكوناته..

ولا تبتعد المجموعة القصصية " ساحة البراءة" عن هذا المهام  بل ترصد الواقع عبر نماذج  يختارها كاتبها ويبرمجها وفق المسار السردي والدلالي الذي أنتجت من أجله كل اقصوصة

ونستعرض بعض الأمثلة في قراءة تحليلية  نرصد من خلالها مجموعة من الأهداف ..

ـ المثال  : المُصلحة الاجتماعية :

تجري الأحداث ضمن بحث تقوم به  الشخصية في مصلحة السجون...فتسعى إلى ملاقاة بعض المجرمين ودراسة حالاتهم .. ثم يختار الكاتب عبر برنامج سردي دقيق وهادف عرض ثلاث حالات تمثل المجتمع

الحالة الأولى :  رجل وهو تاجر مخدرات ...وقد ركز الكاتب على الوصف في تقديم الشخصية

فأوحى بخطورة هذا النموذج  ( طول في عرض وقوة جسد وصوت أجش ّ ووجه خمري غليظ الملامح..) 

ثم يضيف :

 ( سرعان ما تحول الرجل إلى حمل وديع يبتسم ويضحك )

وهذا التقابل يكشف عن رؤية حالمة للقصة القصيرة  في رسم الواقع وتوقع البديل .

الحالة الثانية : إمرأة  ( كانت سيدة فقيرة من الغريمات لم تستطع سداد ما عليها من ديون)

وضعية المرأة التي تعاني من الفقر والتهميش والضياع ، تتحمل عديد المسؤوليات على كاهلها في مجتمع ذكوري مقيت  يحاكمها في أول هفوة .

الحالة الثالثة : شاب ( طالب بالسنة الثالثة  بكلية الهندسة...مسجون على  ذمة  حادث إرهابي تورّط  فيه لصالح جماعة من الجماعات التي تعمل بتيار الإسلام السياسي

نلحظ قدرة الكاتب على عرض نماذج مختلفة من الواقع واختزالها مستندا إلى التكثيف والترميز

وهذا هو مهام الاقصوصة التي يجب أن ترصد وتلمح بطريقة ذكية ومحكمة

وكل هذه النماذج هي صورة مركبة   لواقع عربي مؤلم ينخره الفساد ويوغل فيه الإفساد..

لكن ما يستوقفنا هو سهولة التوقع التي طبع بها الكاتب هذه الاقصوصة بالذات

إذ يقول :( وبابتسامة مني اعترف بكل شيء)  أثناء عملية استنطاق المذنب ..

هل هو رسم المأمول الذي لخصه في تلك الابتسامة  التي ترمز بدورها إلى الخير، الجمال، الرحمة  وهي ما يلوح إلى قيمة كبرى نفتقدها في مجتمعاتنا العربية وهي قيمة العاطفة في التواصل بين الأفراد..؟

الفكري :

للفكري حضور كبير في هذه المجموعة وهو ما يتآلف مع مقاصدها الكبرى ... من تنبيه إلى قيمة الفكر في تحقيق  الإنسان الأفضل في المجتمع الأفضل  ولو بنسبة ضئيلة ..

وهذا مناط بعهدة المثقف أساسا...  المثال : صفعة

" الحرية للفقراء " عنوان كتاب يقرأه عبد الرحيم ...صورة الغلاف عبارة عن مجموعة من الأطفال المشردين في حديقة يبحثون عن كسرة خبز في صندوق القمامة

هكذا تقدم هذه الأقصوصة نفسها فتعلن عن قضاياها بأسلوب رمزي ولغة واضحة

ومن أهم تلك القضايا واقع المثقف العربي الذي يتردد بين الفضيلة والرذيلة   في إطار صراع السياسي والثقافي..

تتأسس الأقصوصة بين شخصيتين هما :

عمر : كاتب يتبنى قضايا الفقراء / عبد الرحيم : يتاجر بشعور الفقراء  وتتجلى حدّة التقابل في أقوال الشخصيتين كالتالي :

يقول عمر ( أنا لا أتاجر مثلك بالشعارات يا عبد الرحيم...أنت تضحك على الفقراء بالشعارات وتبيع لهم الوهم ، وأنا أطالب لهم بالحرية  والخبز...أنت تتاجر بفقرهم وتعطيهم وعودا بدخول الجنة مقابل فقرهم وأصواتهم في الانتخابات ) ضحك عبد الرحيم بصوت عال قائلا:

 ( ألا ترى أننا نعطيهم مع الجنة الخبز والسكر والعسل ..بينما أنت تعطيهم كلاما على ورق)

هذا التقابل الحاد هو واقع الواقع حقيقة...حتى أن عبد الرحيم يحاول شراء عمر المثقف للعمل لصالحه  ويقدم له مجموعة من الخدمات والمغريات قد تدفع بمثقف يعاني الفاقة للقبول ..

لكن تكون النهاية مباغتة  عن طريق مقولة عمر ( ماذا يفيد الإنسان لو ربح مليون جنيه وخسر نفسه ) صفعة تكشف عن مغزاها ..وترسم المأمول ..فهي قصة ترى الحلم ممكنا..والخلاص حلما.. وهذا الخلاص يكمن في المثقف والضمير...

لكن كم من شخص  في الواقع خسر ضميره ونفسه ولم يربح المليون جنيه ولا حتى الجنيه الواحد؟؟

الإيديولوجي :

لا يمكن للقصة اليوم أن تتغافل عن الإيديولوجي باعتباره قد أصبح مطروحا على قارعة الطريق ومسيطرا على الساحة العربية .. فالإيديولوجي هو الذي يحدد مصير الإنسان والوطن برمته..

فتتغلغل الأسئلة وتتوالد في الذاكرة العربية من جديد من أهمها : الانتماء ـ الهوية ـ المأزق

حتى أن الإنسان  العربي المثقل بهويته وجذوره يمكن أن يقول في نفسه

( ليتني ما ولدت عربيا )  أقصوصة تضع العربي أمام نفسه  في ظل انتشار الحروب والدمار والقتل والتاريخ الأسود .. لحظة جلد للذات تدفع بالشخصية نحو حل وهمي وهو التخلص من الذاكرة  ( أريد أن أمسح ذاكرتي )  وهذا ما يؤكد أن العربي اليوم في أزمة نفسية وفكرية وإيديولوجية  يمكن أن تؤدي إلى مأساة عندما ينكر الإنسان  هويته ويتمنى  أن يكون بلا ذاكرة..

هنا تموت كل القيم الأخرى مهما كان نوعها ...

الوطني :

الوطني مبحث هام في الأقصوصة في ظل ما نعيشه من استلاب  للأوطان العربية .

ولمفهوم الوطنية في ذاته ...حتى أن السؤال أصبح مطروحا اليوم :

ما الوطنية؟؟

المثال : سلمى

سلمى الطفلة البريئة تطرح سؤالا فلسفيا كبيرا  على جدها

( من هو الغريب يا جدي

فيرد عليها

( يا بنيتي ما كان الغريب إلا مدعيا قرابتنا ..وفد على قريتنا وعلى جدك اسماعيل الذي أكرمه ومنحه أرضا ومالا وبيتا ..لتدور يا سلمى الأيام ، يموت جدك ويستقوي الغريب وأبناؤه علينا

وهاهو يخرجنا من ديارنا ) فهذا الغريب هو المحتل والمغتصب وقد كشفت الأقصوصة عن أفعاله في شكل مباشر على لسان تلك الطفلة سلمى  التي  حملت رمزية عالية من خلال خطابها

( اليوم هاجموا مدرستي ..طاردوا الأطفال ..ضربوهم..قتلوا بسام..)

تحتمي الطفلة بجدها وتقول في براءة ( اذهب إليهم واطردهم من هنا ياجدي )

لكن النهاية تكون مأساوية ...الموت للجميع عن طريق قذيفة .

إذن  فشل السلف ممثلا في الجد في حماية الخلف ممثلا في الطفلة سلمى.

الأجيال السابقة لم تتمكن من حماية هذه الأجيال القادمة التي بدت تبحث عن الأمان في حضن الجيل القديم ويكون موت " بسام" بالتحديد هو موت رمزي لكل ما يحيل على البسمة والفرح والمستقبل الجميل. وهذه الرؤية التشاؤمية يدعمها الواقع المرّ الذي يعيش الإستلاب بكل أصنافه وألوانه

الإعلام

للإعلام الدور الهام في تصوير الواقع ونقل معاناته بكل شفافية وحيادية  لكن ما نلحظه اليوم أن الإعلام أصبح يلعب الدور المناقض لدوره الحقيقي واقتحم في لعبة عالمية كبرى

تقوم على استغلال الخبر لصناعة الرأي العام و" دمغجة" هذا الرأي العام المستلب الذي يتوق بدوره إلى التصديق السريع والـتأثر الأسرع .

المثال : مشهد فضائي  على الهواء القنوات الفضائية تنقل الحدث بدقة وجودة عالة في التصوير

وهو بث مشهد قتل مشتبه بهم.. ( على الرمال كانت هناك لحية صناعية وجمجمة فارغة  وقلب أسود ) على شريط متحرك  أسفل الشاشة كتب بحروف صغيرة

 ( في أرض الزيتون جنود يقتلون أطفال الحجارة )

تقنية التقابل التي يوظفها الكاتب  صابر الجنزوري هي التي تعبر عن المقاصد التي سعى إلى تبليغها.. والمقاصد تبدو من خلال تهميش القضايا المركزية الهامة  والمصيرية كالقضية الفلسطينية التي بدت تطوى في ذاكرة النسيان عبر خلق قضايا عديدة أخرى تزدحم بها الخارطة العربية كل يوم

حتى أن العربي فقد احساسه بما يدور حوله ..وفقد القدرة على تمثل واقعه تمثلا واضحا وشفيفا .. 

الديني :

طبعا لا يمكن للأقصوصة اليوم أن تتغافل عن ما يجري على الساحة العربية من توظيف الديني توظيفا براغماتيا يمثل إدانة واضحة للخطاب الديني بكل أبعاده ..

المثال : خريطة الجنة : الجنة الموعودة والقصور والخمرة والنساء ، كل الشهوات هناك يا بني "

هكذا تبدأ كل عملية توظيف للدين

" على خارطة الطريق إلى جنته مشى ..ضغط على الحزام الذي لفه حول وسطه ..سبقه نصفه السفلي  إليها " وهكذا تنتهي كل عملية توظيف وهو ما يكشف عمق الفراغ الروحي والنفسي الذي يعيشه العربي  فيسهل استغلاله ..وتدميره وتدمير أمة كاملة..

إنّه البحث عن الشهوات حتى عبر الوهم..وإنه عامل الغريزة الحيوانية تلك التي تقود هذا المدمر إلى حتفه .. إنها رسالة واضحة  لمراجعة كل المفاهيم الخاطئة والدعوة إلى اشباع العاطفة بقيم نبيلة وصحيحة  بعيدا عن الوهم والزيف وهي مهمة أصبحت ملحة اليوم في ظل تنامي الإرهاب بكل أصنافه

المثال 2 سبي

أقصوصة تنقل ما يجري على الخارطة العربية ..سبي النساء في الصراعات الدائرة على الخارطة العربية  ( خرج مزهوا منتصرا ..أذعن الأسرى، وقعوا بدماء العذارى وثيقة سلام

تبدو القصة وكأنها تأتينا من زمن موغل في القدم، زمن الحروب الجاهلية،..

الجثث ـ رؤوس القتلى ـ السبايا ـ الأسرى ـ الصرخات القادمة من كل الخيام

وكل هذه المجازر ترتكب في زمن التمدن والتحضر ..تقرأ السطور وما خلفها فتعتقد أن الزمن غير الزمن ..وأن الإنسان حيوان متوحش، يوغل في جسد أخيه الإنسان بأنياب وأظفار..

بئس التمدن هذا ..وبئس هذه الهمجية  وهذا التوحش ....

السياسي :  يستوقفنا في المجموعة القصصية أقصوصة وردت بعنوان حكومة رفقة

المثال : حكومة رفقة  تعطي هذه الأقصوصة بديلا سياسيا ينتصر للمرأة  انتصارا واضحا ..

فتكشف عن موقف الكاتب من المرأة ..إذ يرى أن خلاص السياسة العربية من الإخفاق يكمن في المرأة كبديل سياسي  لكن هذا البديل أخفق نتيجة العراقيل التي اعترضته

( لم تمض سوى شهور قليلة، وتصدرت عناوين الصحف ..إستقالة حكومة رفقة )

وهذا النموذج وإن حاول التنويه بالبديل إلا أنه يمكن أن يطرح جملة من الاسئلة الفرعية من أهمها هل يكمن الخلاص في  حصول المرأة على القيادة المطلقة أم في التكامل بين المرأة والرجل ؟؟

وهل أن صلاح المجتمع يكمن في صلاح النصف أم في صلاح الكل ؟

* في الختام ـــــــــــ

يمكن الإقرار أن المجموعة القصصية " ساحة البراءة " للكاتب  المبدع صابر الجنزوري  قامت على التنويع في طرح القضايا وهي قضايا شغلت الكاتب زمن التأليف فكانت وليدة عصرها،  تخرج من رحم الواقع المصري في فترة تاريخية ساخنة، محمومة لتنفتح على الواقع العربي برمته. إذ كل تلك النماذج يمكن أن  نجد لها رمزا يمثلها ويعبر عنها في كل أرض عربية..

وهو ما يكشف أن ّ للقص بعدا أرحب يتّسع لتصوير واقع الأمّة  برمّتها..ومحاولة اقتراح البديل المتمثل في تلك الساحة التي وسمها بالبراءة ..محاولة لرسم البديل المأمول ..والبحث عن غد أفضل.. لكن ذاك الغد  بقي ضبابيّا ..وهذا ما يتّسم به فعلا ..فالواقع العربي اليوم يحتاج إلى دراسات معمقة للبحث في علل الإخفاقات المتتالية والجروح التي تتسع يوما بعد يوم..

كما أنّ البديل يبقى غامضا فلا يمكن تقديم البديل في ظل ّ غياب التشخيص الدقيق للواقع والبحث في أسباب الوهن.. وقد لا نطالب القصة كجنس أدبي أو الأقصوصة أو غيرها من الأجناس الأدبية بالبديل باعتبار أنها  فنّ من الفنون الابداعية تبحث في الواقع وتنبش فيه لكشف عوراته ومحاولة ضبط مواطن العلل.. علّ الحلول تصبح ممكنة بقيادة المفكر والأديب ..وفي ظل تراجع الوظائف الحقيقية المناطة بعهدة الزعماء والطبقة السياسية التي طالما انطلقت من مشاريع انتخابية وهمية حالمة.. عمادها الكذب في القول والزيف في العمل..

إن أقصوصة ساحة البراءة رسمت مواطن الخطيئة على امتداد القص، وانتهت بالبحث عن الغفران الذي بقي مأمولا، منشودا، ضبابيا على امتداد برنامج القص.. وهذا  ـ لعمري ـ ليس بمستنكر في القص، ولا نقصا في البرنامج بل هو يفتح المجال  للقارئ  والمتقبل بمختلف درجاته ليتتبع الواقع في كل وجوهه ويحاول أن يطرح الاسئلة.. وطرح الأسئلة هو بداية الوعي والتفكير والتدبر وهو انتصار للعقل الذي به يكون الإنسان إنسانا

 19/ 12/ 2018

الأستاذة سامية البحري / تونس

ــــــــــ

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل:

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

instagram: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: : https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link:  https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على الجمعة, 04 كانون2/يناير 2019

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :